الاثنين، 30 مارس 2015

لماذا لا يطبع البنك المركزي نقود اضافية لتسديد ديون المواطنين ؟

لماذا لا تقوم الحكومة بطباعة اموال اضافية وتوزيعها على المواطنين والمقيمين ؟ سؤال طرحه احد الاخوان كحل لمسألة الفقر والقضاء على الديون المواطنين والمقيمين ...
صحيح الحكومة (او النبك المركزي بالتحديد) تستطيع ان تطبع الكمية التي تريدها من النقود دون محاسبة، فهي المعنية بالأمر ولها كامل الصلاحيات، لكن مثل هذا النوع من الحلول قد يكلف الدولة الكثير وقد يصل الى انهيار الدولة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا...  في هذه المقالة احاول ان اشرح الاثار السلبية الناتجة عن طباعة النقود بدون مراعاة الظروف الاقتصادية وخطورة استخدامها كأداة لدفع الديون السيادية او اعطائها للأفراد بلا مقابل او الية تحكم العملية.  
النقود مثل اي سلعة اخرى تطبق عليها قوانين الاقتصاد الاساسية وقواعد الطلب والعرض، بمعنى ان اسعار السلع والخدمات تحدد عن طريق الية العرض والطلب، فكلما زاد العرض لسلعة معينة (بفرض ان الطلب ثابت) سيقل سعر السلعة لان الكمية الموجودة في السوق زائدة عن الحاجة وتغطي طلبات الافراد (هناك فائض اكثر من الحاجة)، مما يدفع المنتجين الى تقليل اسعار منتجاتهم كاستراتيجية للتسويق وطريقة لتحفيز للأفراد لشراء كميات اكبر. والعكس ايضا صحيح، كلما قل العرض لسلعة معينة، سيرتفع سعرها لان الكمية المعروضة قليلة لا تلبي احتياجات الافراد، لذلك يدفع الافراد الراغبين بهذه السعلة ان يدفعوا مبالغ اكبر من السعر التوازني للحصول على السلع قبل نفاذ الكمية.  
نفس المفهوم يطبق على النقود، اذا كانت كمية النقود المطبوعة (العرض) اكبر واسرع من النمو الاقتصادي الطبيعي الذي تحققه الدولة، سيقود ذلك الى توفر سيولة اكثر من المعتاد في متناول الافراد، وهذه السيولة ستدفع بالمستهلكين لشراء كميات اكبر من البضاعة والخدمات، وبالتالي الطلب الكلي على البضاعة سيرتفع، مما يشجع المنتجين برفع اسعار سلعهم لتناسب نسبة الزيادة في الطلب. على سبيل المثال: فقط لتبسيط الموضوع سنفترض بان الاقتصاد يحتوي فقط على سلعة واحده وهي "التفاح" ،  والكمية المعروضة هي 100 تفاحة، والنقود المتوفرة في السوق (لدى الافراد او المجتمع) هي 100 دينار، اذا قامت الدولة بإعطاء منحة واعانة (طباعة نقود اضافية)  بقيمة 100 دينار للأفراد، ستكون المحصلة النهائية للنقود هو 200 دينار امام 100 تفاحة فقط، يعني في السابق كانت التفاحة الواحدة تساوي 1 دينار، لكن بعد الزيادة اصبحت 2 دينار يعني تضاعفت الاسعار !!
ما اريد ان اوضحه في الفقرة السابقة بان طباعة النقود من غير وجود نمو فعلي في الاقتصاد سيسبب تضخم في الاسعار (Hyper Inflation) مثل ما حصل في المانيا عام 1920، لان كمية النقود ستكون اكبر من الانتاج المحلي (السلع والخدمات) مما سيدفع المنتجين الى رفع اسعارهم حتى تتناسب مع قوة الطلب وتوفر السيولة. في نهاية الامر ستتحول هذه الوفرة المالية الى نقمة على الافراد لان القوة الشرائية للعملة ستقل، بحيث كانت 100 دينار تلبي 100 تفاحة، لكن بعد طباعة النقود اصحبت 100 دينار تشتري 50 تفاحة فقط (لان سعر التفاحة اصبح 2 دينار).
هذا على مستوى السلع المحلية والمقيمين داخل الدولة، لكن هناك اثار سلبية ايضا على مستوى الاستثمار ايضا، فالتضخم بهذا الشكل سيدفع المستثمرين الى سحب رؤوس الاموال  واستثمارها خارج الدولة، في مناطق تكون فيها العملة اكثر استقرار، لان ارتفاع الاسعار لا يأثر فقط على السلع النهائية، بل حتى على الاسواق المالية (السندات والاسهم)، فاذا قام احد المستثمرين بشراء سندات كنوع من الاستثمار للاستفادة من الفوائد السنوية التي تعطيها الشركات لحامليها، ارتفاع الاسعار والتضخم السريع سيجعل سعر الفائدة يهوي الى مستويات متدنية وبالتالي يقلل من قيمة الفائدة المرجوة ، مما يدفعهم للبحث عن سندات مالية اكثر جاذبية ومعدلات فائدة اكبر ...
وهذا النوع من العزوف من قبل المستثمرين الاجانب سيترك اثر ايضا على سعر صرف العملة المحلية، بحيث سيقل الطلب العالمي على العملة المحلية وسيقوم المستثمرين ببيع العملية المحلية وتحويلها الى عملات اجنبية اخرى لشراء سندات في دول اخرى تفاديا للخسائر ، مما يجعل سوق صرف العملات مغمور بالعملة المحلية، وبالتالي ستقل قيمة العملة امام العملات الاخرى ... وهذا سيجعل البنك المركزي امام خيارين: اما شراء الفائض المعروض من العملة المحلية عن طريق التخلي عن احتياطاته من العملات الاجنبية، او يترك قيمة العملة تهبط وتنهار ...
ولن تنتهي القضية بترك العملة تنهار ، لان انهيار العملة سيزيد من حدة التضخم ويجعل الاقتصاد يستورد تضخم اخر من الخارج، بحيث اي بضاعة خارجية يتم استيرادها سيرتفع سعرها لان ما ستوفره العملة حاليا (القيمة الحالية بعد انهيار العملة) اقل بكثير من السابق، فاذا كان استيراد " سيارة" يكلف 1000 دينار، سيضطر الفرد ان يدفع 2000 دينار لتعويض النقص في سعر الصرف.
لكن هل يعني ان طباعة النقود سيئة في جميع الاحوال؟ لا هناك بعض الحالات الاقتصادية التي تضطر الحكومة لطباعة اموال اضافية وضخها في الاسواق المالية حتى في حالة غياب نمو حقيقي في الاقتصاد، واكثر التطبيقات تكون في حالات الركود الصعبة ويطلق على عملية طباعة الاموال في هذه الحالة بالتيسير الكمي (Quantitative Easing )، يقوم البنك المركزي بضخ النقود كعملية تحفيز للاقتصاد، بحيث يجعل الوفرة المالية في البنوك حافز الى اقراض المستثمرين والمستهلكين، بدل من الاحتفاظ بها في الحسابات. لان في حالات الركود، تميل البنوك الى الاحتفاظ بالنقود ووضعها كودائع للاستفادة من اسعار الفائدة، بدل من المخاطرة بها في ظروف اقتصادية صعبة، لذلك تقوم الحكومة بتقليل سعر الفائدة عن طريق ضخ اموال اضافية في السوق بحيث تجعل عملية الاقراض اكثر جاذبية واعلى ربحا من الودائع.
وتلجأ الحكومة الى هذا النوع من الحلول بسبب خطورة استمرار الركود الاقتصادي، فهو يعتبر اخطر من طباعة النقود والتضخم، لذلك تقوم الحكومة بالتضحية وتقبل مخاطر التضخم مقابل حل مشكلة الركود، وهنا تدخل الحكومة في تحدي اخر في كيفية سحب الفائض النقدي التي ضخته بعد تعافي الاقتصاد.  
الخلاصة بان الاقتصاد معقد وان سياسات الحكومة وقرارتها لها اثار مختلفة على كافة الاصعدة، قد تكون سياسة معينة تحل مشكلة، لكن في نفس الوقت تخلق مشكلة اخرى، لذلك على صاحب القرار ان يدرس دواعي القرارات بشكل شامل وان يكون هناك معايير للقياس توضح التغيرات بالوقت المناسب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق