الاثنين، 30 مارس 2015

لماذا لا يطبع البنك المركزي نقود اضافية لتسديد ديون المواطنين ؟

لماذا لا تقوم الحكومة بطباعة اموال اضافية وتوزيعها على المواطنين والمقيمين ؟ سؤال طرحه احد الاخوان كحل لمسألة الفقر والقضاء على الديون المواطنين والمقيمين ...
صحيح الحكومة (او النبك المركزي بالتحديد) تستطيع ان تطبع الكمية التي تريدها من النقود دون محاسبة، فهي المعنية بالأمر ولها كامل الصلاحيات، لكن مثل هذا النوع من الحلول قد يكلف الدولة الكثير وقد يصل الى انهيار الدولة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا...  في هذه المقالة احاول ان اشرح الاثار السلبية الناتجة عن طباعة النقود بدون مراعاة الظروف الاقتصادية وخطورة استخدامها كأداة لدفع الديون السيادية او اعطائها للأفراد بلا مقابل او الية تحكم العملية.  
النقود مثل اي سلعة اخرى تطبق عليها قوانين الاقتصاد الاساسية وقواعد الطلب والعرض، بمعنى ان اسعار السلع والخدمات تحدد عن طريق الية العرض والطلب، فكلما زاد العرض لسلعة معينة (بفرض ان الطلب ثابت) سيقل سعر السلعة لان الكمية الموجودة في السوق زائدة عن الحاجة وتغطي طلبات الافراد (هناك فائض اكثر من الحاجة)، مما يدفع المنتجين الى تقليل اسعار منتجاتهم كاستراتيجية للتسويق وطريقة لتحفيز للأفراد لشراء كميات اكبر. والعكس ايضا صحيح، كلما قل العرض لسلعة معينة، سيرتفع سعرها لان الكمية المعروضة قليلة لا تلبي احتياجات الافراد، لذلك يدفع الافراد الراغبين بهذه السعلة ان يدفعوا مبالغ اكبر من السعر التوازني للحصول على السلع قبل نفاذ الكمية.  
نفس المفهوم يطبق على النقود، اذا كانت كمية النقود المطبوعة (العرض) اكبر واسرع من النمو الاقتصادي الطبيعي الذي تحققه الدولة، سيقود ذلك الى توفر سيولة اكثر من المعتاد في متناول الافراد، وهذه السيولة ستدفع بالمستهلكين لشراء كميات اكبر من البضاعة والخدمات، وبالتالي الطلب الكلي على البضاعة سيرتفع، مما يشجع المنتجين برفع اسعار سلعهم لتناسب نسبة الزيادة في الطلب. على سبيل المثال: فقط لتبسيط الموضوع سنفترض بان الاقتصاد يحتوي فقط على سلعة واحده وهي "التفاح" ،  والكمية المعروضة هي 100 تفاحة، والنقود المتوفرة في السوق (لدى الافراد او المجتمع) هي 100 دينار، اذا قامت الدولة بإعطاء منحة واعانة (طباعة نقود اضافية)  بقيمة 100 دينار للأفراد، ستكون المحصلة النهائية للنقود هو 200 دينار امام 100 تفاحة فقط، يعني في السابق كانت التفاحة الواحدة تساوي 1 دينار، لكن بعد الزيادة اصبحت 2 دينار يعني تضاعفت الاسعار !!
ما اريد ان اوضحه في الفقرة السابقة بان طباعة النقود من غير وجود نمو فعلي في الاقتصاد سيسبب تضخم في الاسعار (Hyper Inflation) مثل ما حصل في المانيا عام 1920، لان كمية النقود ستكون اكبر من الانتاج المحلي (السلع والخدمات) مما سيدفع المنتجين الى رفع اسعارهم حتى تتناسب مع قوة الطلب وتوفر السيولة. في نهاية الامر ستتحول هذه الوفرة المالية الى نقمة على الافراد لان القوة الشرائية للعملة ستقل، بحيث كانت 100 دينار تلبي 100 تفاحة، لكن بعد طباعة النقود اصحبت 100 دينار تشتري 50 تفاحة فقط (لان سعر التفاحة اصبح 2 دينار).
هذا على مستوى السلع المحلية والمقيمين داخل الدولة، لكن هناك اثار سلبية ايضا على مستوى الاستثمار ايضا، فالتضخم بهذا الشكل سيدفع المستثمرين الى سحب رؤوس الاموال  واستثمارها خارج الدولة، في مناطق تكون فيها العملة اكثر استقرار، لان ارتفاع الاسعار لا يأثر فقط على السلع النهائية، بل حتى على الاسواق المالية (السندات والاسهم)، فاذا قام احد المستثمرين بشراء سندات كنوع من الاستثمار للاستفادة من الفوائد السنوية التي تعطيها الشركات لحامليها، ارتفاع الاسعار والتضخم السريع سيجعل سعر الفائدة يهوي الى مستويات متدنية وبالتالي يقلل من قيمة الفائدة المرجوة ، مما يدفعهم للبحث عن سندات مالية اكثر جاذبية ومعدلات فائدة اكبر ...
وهذا النوع من العزوف من قبل المستثمرين الاجانب سيترك اثر ايضا على سعر صرف العملة المحلية، بحيث سيقل الطلب العالمي على العملة المحلية وسيقوم المستثمرين ببيع العملية المحلية وتحويلها الى عملات اجنبية اخرى لشراء سندات في دول اخرى تفاديا للخسائر ، مما يجعل سوق صرف العملات مغمور بالعملة المحلية، وبالتالي ستقل قيمة العملة امام العملات الاخرى ... وهذا سيجعل البنك المركزي امام خيارين: اما شراء الفائض المعروض من العملة المحلية عن طريق التخلي عن احتياطاته من العملات الاجنبية، او يترك قيمة العملة تهبط وتنهار ...
ولن تنتهي القضية بترك العملة تنهار ، لان انهيار العملة سيزيد من حدة التضخم ويجعل الاقتصاد يستورد تضخم اخر من الخارج، بحيث اي بضاعة خارجية يتم استيرادها سيرتفع سعرها لان ما ستوفره العملة حاليا (القيمة الحالية بعد انهيار العملة) اقل بكثير من السابق، فاذا كان استيراد " سيارة" يكلف 1000 دينار، سيضطر الفرد ان يدفع 2000 دينار لتعويض النقص في سعر الصرف.
لكن هل يعني ان طباعة النقود سيئة في جميع الاحوال؟ لا هناك بعض الحالات الاقتصادية التي تضطر الحكومة لطباعة اموال اضافية وضخها في الاسواق المالية حتى في حالة غياب نمو حقيقي في الاقتصاد، واكثر التطبيقات تكون في حالات الركود الصعبة ويطلق على عملية طباعة الاموال في هذه الحالة بالتيسير الكمي (Quantitative Easing )، يقوم البنك المركزي بضخ النقود كعملية تحفيز للاقتصاد، بحيث يجعل الوفرة المالية في البنوك حافز الى اقراض المستثمرين والمستهلكين، بدل من الاحتفاظ بها في الحسابات. لان في حالات الركود، تميل البنوك الى الاحتفاظ بالنقود ووضعها كودائع للاستفادة من اسعار الفائدة، بدل من المخاطرة بها في ظروف اقتصادية صعبة، لذلك تقوم الحكومة بتقليل سعر الفائدة عن طريق ضخ اموال اضافية في السوق بحيث تجعل عملية الاقراض اكثر جاذبية واعلى ربحا من الودائع.
وتلجأ الحكومة الى هذا النوع من الحلول بسبب خطورة استمرار الركود الاقتصادي، فهو يعتبر اخطر من طباعة النقود والتضخم، لذلك تقوم الحكومة بالتضحية وتقبل مخاطر التضخم مقابل حل مشكلة الركود، وهنا تدخل الحكومة في تحدي اخر في كيفية سحب الفائض النقدي التي ضخته بعد تعافي الاقتصاد.  
الخلاصة بان الاقتصاد معقد وان سياسات الحكومة وقرارتها لها اثار مختلفة على كافة الاصعدة، قد تكون سياسة معينة تحل مشكلة، لكن في نفس الوقت تخلق مشكلة اخرى، لذلك على صاحب القرار ان يدرس دواعي القرارات بشكل شامل وان يكون هناك معايير للقياس توضح التغيرات بالوقت المناسب .

الأربعاء، 25 مارس 2015

لماذا نحتاج الى البنوك ؟

البنك كالقلب في جسم الانسان، من غير البنك لا يتوزع الدم في الجسد الاقتصادي، وهو المحور الاساسي لجميع العمليات المالية التي تحدث داخل وخارج الدولة.
النظام الاقتصادي مبني على القطاع البنكي، بحيث لا يمكن ان تقوم اي عملية مالية او مبادرات استثمارية الا وكان البنك شريك في العملية، فالبنك هو الممول الاساسي للشركات والمستثمرين والذي يساندهم في مشاريعهم وخططهم المستقبلية، و يساعدهم على دفع اجور موظفيهم عن طريق تقديم خدمات مصرفية مختلفة، و وهو ايضا الذي يستثمر نقودهم في صناديق الاستثمار و يضمن لهم ملائتهم المالية امام الموردين وينقل اموالهم خارج الدولة ويسهل عمليات البيع والشراء ....  بل حتى اذا نظرنا الى حياتنا اليومية، سنرى بان البنك يحاصر الفرد من جميع الجهات ... اذا توقف البنك عن العمل تتوقف الحياة بالكامل على جميع الاصعدة، فالبنك هو الذي يوفر النقود (الكاش) لشراء البضائع والسلع، ويوفر ايضا القروض لشراء سيارة او منزل، وهو الذي يحفظ النقود في اماكن امنة بعيدا عن السرقة، و يعطي الفرد معلومات عن عملياته المالية الخاصة ووضعه المادي لتقديمها الى الجهات الحكومية والاهلية الاخرى لأنهاء معاملاته ...
اهمية البنك تأتي من الدور الحيوي الذي يلعبه كحلقة وصل بين الوحدات الاقتصادية (الافراد والشركات)، فالبنك يعمل كوسيط يربط الناس التي لديها فائض مالي او ليس لديها الخبرة الكافية في استثمارها، مع الشريحة التي لديها الخبرة لكن تنقصها الموارد المالية، فيخلق نوع من الموازنة في الموارد ويقوم بتوزيع السيولة بطريقة ترفع من كفاءة المجتمع عن طريق توظيف الموارد المادية بشكل افضل وبالتالي رفع الانتاج والتطور ...
فاذا افترضنا بان الاقتصاد خالي من النظام البنكي وان البنك غير موجود ليقوم بعملية توزيع النقود، اول اثر سلبي هو تركز الاموال في في جهة معينة فقط، فتكون الفئة الاولى لديها وفرة مالية وفائض لكن ليس لديها خبرة في الاستثمار ولا الاستعداد لإنشاء مشروع، والفئة الثانية تملك الخبرة والاستعداد لكن فاقدة للسيولة، ستكون النتيجة سلبية على الطرفين بحيث لا يستفيد الاول من النقود وستكون اصوله مجمده خوفا من المخاطرة، ولا الفئة الثانية ستستطيع ان تحسن من حالتها المادية او الاجتماعية لعدم وجود احد يقرضها ...
وحتى اذا كان النظام البنكي موجود لكنه يتصف بالهشاشة وتحت رقابة بنك مركزي ضعيف، سيكون الاقتصاد معرض الى مخاطر كبيره واي مشكلة قد تدخل الدولة في كساد اقتصادي يستمر لسنين، فعلى سبيل المثال قلة السيولة في الاقتصاد قد تنتج بسبب تردد البنوك من اقراض المستثمرين، وذلك كرد فعل لأحداث سياسية تتعرض لها الدولة، هذا النوع من التردد سيدفع البنوك الى تقليل عمليات الاقراض والتوقف عن الاستثمار لفترة حتى تتحسن الاحوال، وخلال هذه الفترة ستقل السيولة في الاقتصاد وسيتوقف ضخ الدم في الهيكل الاقتصادي مما سيرهق الشركات والمصانع و يبطء من الحركة وعجلة التنمية وستضطر الشركات الى اغلاق مصانعها وانهاء عقود الموظفين لتقليل التكاليف ...
لهذا السبب تهتم الدول بالمؤسسات المالية وتنشأ مراكز اقتصادية وبنك مركزي، ويراقبون الاحداث العالمية وأثرها على الاقتصاد والنظام البنكي، ليس فقط على صعيد الافراد والشركات، بل حتى على الصعيد السياسي ايضا، فقد يكون انهيار بنك واحد سبب في انهيار دولة بجميع انظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما حدث في الكساد الاقتصادي العظيم عام 1930 والتضخم العالي في المانيا 1920 وانفصال الاتحاد السوفيتي، وقد يكون سلوك مجموعة افراد سبب اخر ايضا لعدم الاستقرار مثل ما حصل في الازمة المالية الأخيرة سنة 2007 عندما عجز الافراد المقترضين عن سداد القروض الاسكانية والذي ادى الى افلاس ثاني اكبر بنك استثماري في امريكا (Bear Stearns and Lehman Brothers  ) ودخول العالم كلة في ركود اقتصادي ...
لذلك كلما كان النظام البنكي مستقر وذو كفاءة عالية، كان هناك استقرار سياسي واجتماعي، وتكون عمليات نقل وتوزيع الاموال بين مكونات الاقتصاد مستقرة والاستثمارات والحركة الاقتصادية سلسلة.
في المقالة القادمة سنشرح كيف تستطيع الدول معالجة المشاكل الاقتصادية التي يتعرض لها النظام البنكي وماهي الادوات التي تستخدمها في التحكم بالاقتصاد ...

الاثنين، 23 مارس 2015

ما هو التقييم الحقيقي للبنية التحتية لتكنلوجيا المعلومات لدولة الكويت ؟

ابدأ مقالتي بطرح سؤال " ما هو تقييم البنية التحتية لتكنلوجيا المعلومات لدولة الكويت ؟"  السؤال نصف الجواب وهذا النوع من الاسئلة يعتبر نصف الخطة الاستراتيجية التي تتعلق بالتطور المعلوماتي والتكنلوجي، لان من خلالها تستطيع ان تحدد المعايير التي تقيس بها اداء الحكومة ومدى جديتها في تطبيق المشاريع.
في رأيي الشخصي هو "صفر"، قد يعترض البعض على تقييمي واني متشائم في تحليلاتي، فلا تستعجل علي ودعني اطرح عليك بعض الاسئلة وسنرى اذا كنت ستضل تعارضني ام لا:
  1. ماهي عدد الوزرات التي تتبنى النظم الالكترونية؟ هل جميع الوزارات ام بعضها ؟
  2. ماهي نسبة المعاملات الالكترونية و المعاملات اليدوية ؟ هل اكثر من 90% من المعاملات الداخلية والخارجية تتم عن طريق النظام الالكتروني ام عن طريق الاجراءات اليدوية ؟
  3. ماهي قنوات الاتصال التي عن طريقها يستطيع الفرد ان يتصل بالوزارة او الهيئة الحكومية ؟ هل يتم استخدام الشبكات الاجتماعية والبريد الالكتروني والهواتف النقالة او المواقع الالكترونية ؟
  4. ماهي كفاءة هذه القنوات في تخليص معاملات الافراد والشركات ؟
  5. هل النظم الالكترونية المختلفة الموجودة حاليا في الوزارات مرتبطة مع بعضها البعض ؟
  6. هل هناك ملف الكتروني صحي واحد للفرد بحيث يستطيع الدخول عليه الفريق الطبي في اي مستشفى او مستوصف؟
  7. هل هناك قواعد بيانات تحمل جميع معلومات الفرد والشركة سواء كانت طبية او اجتماعية او دراسية ؟
  8. هل النظام التعليمي قائم على التكنلوجيا؟ مثل المناهج والكتب الالكترونية؟  ونظام التسجيل والتدريس ومواد التعليمة كلها مرتبطة ببعضها البعض ؟
  9. هل عمليات التوظيف وتسجيل العمالة وتجديد الرخص عن الطريق الانترنت ؟
  10. هل هناك قوانين تحكم التعاملات الالكترونية ؟
  11. لماذا لا يستطيع الفرد ان يجدد معاملة الخادمة عن طريق الانترنت ؟
  12. لماذا لا يستطيع الفرد ان يصدر جواز سفرة عن طريق الانترنت ؟
  13. ماذا لا يستطيع الفرد ان يطلب شهادة التأمينات عن طريق الانترنت؟ بل لماذا يطلبها بالاصل اذا كان هناك ربط الكتروني بين الجهات الحكومية ؟
  14. لماذا لا تستخدم البطاقة المدنية (البطاقة الذكية) كوسيلة دفع مثل بطاقات الائتمان والدفع السبق؟
لماذا و لماذا ولماذا واستطيع ان استمر بالأسئلة حتى تجف كل اقلام الوزارات دون الحصول على دليل واحد بان البنية التحتية الحالية يمكن ان يطلق عليها تكنلوجيا، وانا هنا لا اتلكم عن الوجود المادي للمعدات او النظم، لان هناك تكنلوجيا قائمة موجوده مثل موقع وزارة المواصلات او وزارة الداخلية، وهناك بعض المعاملات الحكومية تقوم على نظم الية مثل المخالفات والبطاقة المدنية، لكن هذه الامثلة ممكن ان تعتبر تكنلوجيا اذا قارناها بالدول الفقيرة مثل السودان وبنغلادش وجزر القمر ...
نحن هنا نتحدث عن تكنلوجيا بمستوى الدول المتقدمة والعواصم المتطورة مثل اليابان وامريكا وسنغافورة و المانيا، فالكويت ليست دولة فقيرة او محدودة الموارد او فاقدة للعناصر البشرية المطلوبة او تعاني من الحروب والمجاعة حتى نقارنها بالدول الفقيرة، نحن نقارن الكويت بالدول المجاورة والدول المتقدمة، نقارن وضعها التكنلوجي والفني مع اخر ما توصل اليه من علم وتطور ومعدات ونظم في الاسواق العالمية، وهذا ليس غريبا، فاذا كانت دبي تقارن نفسها بالعواصم الكبيرة مثل لندن ونيويورك وامستردام (تصريح من قبل الرئيس التنفيذي لهيئة النقل والمواصلات د. يوسف العلي)، فلماذا لا نقارن انفسنا بهذه الدول ؟! هل هناك عائق اقتصادي يمنع الحكومة بتبني هذه الفلسفة الادارية الجريئة ؟ هناك عوائق لكن ليست مادية ولا تكنلوجيا، العوائق هي في النظام الاداري والهيكل الحكومي الذي يحتاج الى اعادة ترتيب وهندسة جديدة تناسب التطور واحتياجات المجتمع.
فبناء بنية تكنلوجية كاملة ليست امر مستحيل او حتى صعب ، قد يكون صعبا على الأفراد، لكن اذا كان الحديث على مستوى دول او شركات عملاقة، فان العملية تعتبر بسيطة، لان الحكومات والشركات لها مصادر مالية وبشرية اكبر وافضل من الفرد، وان هناك الالف من الشركات تستطيع ان تساند الدولة في انشاء البنية التحتية السليمة والتي تواكب احتياجات المجتمع وبيئة العمل، فالتكنلوجيا ليست ممنوعة عن احد والكل لديه القدرة على اقتنائها والاستفادة منها، لكن ما ذا تعمل لمن لا يريد ان يساعده نفسة ولا يريد ان يتطور ؟
اختم كلامي بان الكويت تستطيع ان تكون الدولة الرائدة في مجال التكنلوجيا خلال 5 سنوات فقط وان تحقق معدل لا يقل عن 90% في تحويل جميع المعاملات في الدولة على جميع الاصعدة الى معاملات الكترونية.

الأحد، 22 مارس 2015

نظرة اقتصادية للتاريخ والزمن ...

كيف يرى الاقتصاد التاريخ ورحلة البشرية  منذ ايام الفراعنة الى يومنا هذا ؟ ماهي النظرة الاقتصادية التي من خلالها نستطيع ان نحصل على معلومات غير القصص والاحداث التاريخية ؟
كنت اشاهد محاضر راقي بكلماته يتكلم عن التاريخ ويشرح فيه قصة البشرية والاحداث المهمة التي غيرت مسيرة الزمن، وفي منتصف خطبته شدتني جملة قال فيها " ان التاريخ بعد 1900م بدأ يجري سريعا "، فبدأت اسال نفسي: لماذا بدأ العالم يجري ؟ وما معناة كلمة "يجري"؟ هل هناك ترجمة اقتصادية لمعنى كلمة "يجري" ؟ اسئلة كثيرة محورها " لماذا ؟" وهذا النوع من الاسئلة هي كينونة علم الاقتصاد، لان علم الاقتصاد هو علم سلوكي يدرس الظواهر بشكل عام سواء كانت تجارية او سلوكية او اجتماعية او تاريخية، باحثا عن تحليل منطقي للسلوك ...
لذلك بدأت رحلتي في دراسة التاريخ، وهدفي هو تطبيق الاقتصاد في مجال التاريخ باحثا عن جواب يفسر ظاهرة وهي "لماذا بدأ التاريخ يجرى سريعا ؟"، محققا بذلك اول خطوة في البحث العلمي وهو تحديد الظاهرة، ثم انتقلت الى اختيار المتغيرات والعينة التي سيتم دراستها ومن ثم الى الاختبار الفرضية والاستنتاج ...
وكانت خلاصة رحلتي التاريخية جميلة جدا، واول النتائج هو الرسم البياني التالي (رقم 1 ) الذي يوضح حركة البشرية واهم الاحداث مثل (الاختراعات والحروب والدين والفلسفة ) بالنسبة الى الزمن، فالعامود الافقي يدل على الزمن يبدأ من 700 قبل الميلاد الى 2000 ميلادي، والخط الافقي يمثل ميلاد النبي عيسى عليه السلام (خط الصفر).

من الرسم البياني نستطيع ان نرى بان التاريخ مقسم الى اربعة اجزاء رئيسية:
1.       الجزء الاول الفترة القريبة من نزول الانبياء عليهم السلام (نبينا الرسول الاعظم صل الله عليه واله و النبي عيسى عليه السلام ) وهي من 300 قبل الميلاد الى 600 ميلادي
2.       والفترة الثانية هي فترة الخمول تبدأ من 700 م الى 1600 وهي الفترة التي تضعف فيها الاحداث وخاصة العلم والاختراعات
3.       والفترة الثالثة وهي ما يطلق عليها عصر الصناعة او ثورة الصناعة وتبدأ من 1700 م الى 1930م
4.        والفترة الاخيرة هي ما بعد 1930م الى يومنا هذا
ان الفترة الاولى هي فترة نشطة تظهر فيها العلوم والاختراعات بشكل مكثف (موضحها بالنقاط المتقاربة على مستوي افقي) وذلك بسبب نزول الانبياء عليهم السلام، فوجودهم في هذه الحقبة يحرك المجتمع ويدفع به الى الامام وذلك لمحاربتهم للجاهلية وارشادهم الى الطريق الصحيح، لذلك ترى ان النقاط تتزايد قبل وبعد نزول النبي عليه السلام ...
اما الفترة الثانية فهي فترة خمول وذلك لغياب الانبياء عليهم السلام، كانت هناك بعض الاحداث لكنها كانت متفرقة ومتباعدة وبينهم فترات طويلة تصل الى 300 سنة تقريبا
اما الفترة الثالثة وهي انشط فترة وتبدأ من 1700 م وتلقب بالثورة الصناعية، وكانت الاختراعات متتابعة كل اختراع يمهد للاختراع الذي يليه، فكانت الانجازات تلمس كل القطاعات وليس فقط الصناعية مثل الطب، والفلك و الطبيعة ...  والسبب الاساسي هو ضعف الكنيسة وفقدان وزنها الديني والاجتماعي امام العلوم والتطور، مما جعل العقول تتحرر من قيود الدين وسطوة الكنائس ...  
اما الفترة الرابعة هي ما بعد 1900 م وهنا تصعب تتبع التطور واصبحت الاختراعات بالمئات بل بالألاف كل يوم وبدأ العالم بالفعل يجري سريعا، ففي السابق كانت هناك فتره زمنية بين الاختراعات على الاقل 10 سنين، لكن في القرن العشرين اصبحت الاختراعات لا طعم لها من كثرتها.
الرسم البياني التالي يبين نوع الاحداث التاريخية ونسبتها الى العدد الاجمالي، وان العلوم والحروب هي المحرك الاساسي الذي دفع العالم الى التقدم والتطور، فبالرغم من ان الحروب هدرت ملايين الارواح، لكنها سهلة عملت نقل العلم الى القرارات والمناطق المختلفة

اما الرسم البياني الثالث يلخص المناطق التي تركزت فيها الاحداث، وتوضح بان اوروبا وخصوصا بريطانيا والمانيا هم المصدر للتطور والاختراعات وتغيير مسار البشرية الى الافضل

خلاصة الكلام ان الاقتصاد علم سلوكي يدرس اي ظاهرة سواء كانت اجتماعية او سلوكية او تاريخية او تجارية ... وان الاقتصاد استطاع ان يترجم القصص التاريخية الى لغة ارقام تسلط الضوء على العناوين العامة وتلخص التفاصيل لتعطيك نظرة شاملة عن اي موضوع.

السبت، 21 مارس 2015

نظرة في الهيكل الاقتصادي الكويتي و دبي

المقارنة (Benchmarking) تعتبر اداة من أدوات التحليل الاقتصادي وطريقة سهلة لمعرفة مستوى الدولة مقارنة بالدول الاخرى، لذلك سنقارن الاقتصاد الكويتي مع دبي عن طريق استخدام الانتاج المحلي الاجمالي (GDP)، ومعرفة أهم الفروقات بين الاقتصادين واثارها على التنمية.
قبل الشروع  في تفاصيل الانتاج المحلي الاجمالي نشرح معناه العلمي، فهو اجمالي قيمة السلع والخدمات النهائية التي تم انتاجها محليا لفترة زمنية معينة ، بمعنى اخر هي انتاجية المجتمع من الخدمات والسلع ... وهذا الانتاج المحلي يمكن تقسيمه الى قطاعات او أنشطة مختلفة مثل القطاع الزراعي او الصناعي او الكهرباء والماء او النقل والمواصلات، هذا التقسيم يساعد اصحاب القرار على تحليل الاقتصاد ويمكن من خلاله تحديد ماهي القطاعات المهمة  او التي تحتاج الى معالجة ، يمكن ايضا من خلاله التعرف على الهيكل الاقتصادي بشكل عام ومعرفة نقاط القوه والضعف ...
الجدول التالي (رقم 1) يوضح الخطوط العامة لاقتصاد الكويت ودبي، واول ملاحظه هي تقسيم اقتصاد الكويت الى قطاع نفطي و غير نفطي، والسبب في ذلك ان الكويت هي دولة معتمده بشكل كلي على النفط في ادارة الدولة، وكل الايرادات الحكومية هي ايرادات نفطية تشكل 95% من اجمالي الايرادات، طبعا هذا النوع من التقسيم يعتبر صحيح او طبيعي في حالة ان الرؤيا الاقتصادية للدولة هي رؤية نفطية اي ان الدولة تريد ان تستمر في هذا المجال وان تصبح رائده في مجال النفط وان التنمية والتطور سيقام على النفط وتقام الاستراتيجيات والخطط على هذا الاساس، لكن للأسف هذا اول خطأ (في رأيي الشخصي) تقع فيه الحكومة لان الرؤيا الاقتصادية للكويت هي ان تكون مركز مالي عالمي وليس مركز نفطي، لذلك كان الاجدر ان يتم تقسيم الناتج الاجمالي الى قطاع مالي وغير مالي او على الاقل اضافة القطاع المالي الى القطاعين المذكورين مثل ما فعلت حكومة دبي في تقاريرها كما هو موضح في الجدول التالي.
فدبي استطاعت خلال عشر سنوات ان تغير هيكل اقتصادها بشكل كلي من امارة نفطية الى مركز مالي وسياحي عالمي وأصبح سوق مهم جدا وجذاب لجميع الشركات العالمية، وهذا واضح ينعكس في تقاريرها السنوية بحيث قسمت اقتصادها الى قطاع مالي وغير مالي حتى يتناسب مع الرؤية المستقبلية والخطط الاستراتيجية ...
جدول رقم 1 – مقارنة بين الانتاج المحلي الاجمالي لدولة الكويت وامارة دبي
الكويت
النسبة من الانتاج المحلي الاجمالي
دبي
النسبة من الانتاج المحلي الاجمالي
القطاع النفطي
55%
القطاع المالي
10%
القطاع الغير نفطي
45%
القطاع الغير مالي
84%
القطاع الحكومي
5%
مصدر: الموقع الالكتروني لحكومة دبي والادارة المركزية للإحصاء لدولة الكويت
الجدول رقم 2 مقسم الى قطاعات مختلفة، وكل قطاع ونسبته الى الانتاج المحلي الاجمالي، فمن خلال الجدول يمكن ان نأكد بان النفط يعتبر المحرك الاساسي لدولة الكويت لأنه يمثل 52% من اجمالي الانتاج المحلي، واذا نظرنا ايضا الى مكونات القطاع الصناعي سنرى بان 7% تمثل صناعات نفطية وتكرير واستخراج لمشتقات النفط، يعني ان القطاع الصناعي معتمد ايضا على النفط. لكن اذا نظرنا الى اقتصاد دبي، سنرى بان النفط لا يشكل اكثر من 1% من اجمالي الانتاج، وهذا يعتبر انجاز حقيقي لحكومة دبي، وهذا يعطيها استقلالية بدرجة لا بأس بها في حالة نزول اسعار النفط، في حين ان الكويت ستتأثر بشكل كبير في حالة وجود تذبذب في اسعار النفط.
جدول رقم 2 - النشاطات الاقتصادية لدولة الكويت وامارة دبي
النشاط الاقتصادي
الكويت
دبي
الزراعة والسمك
0%
0%
الاستخراجات النفطية والغاز الطبيعي
52%
1%
الصناعة
7%
14%
الكهرباء والماء والغاز
2%
2%
الانشاءات
2%
8%
تجارة الجملة والتجزئة
3%
29%
الفنادق والمطاعم
1%
5%
الاتصال والتخزين والنقل
6%
15%
الوسائط المالية والتأمين
7%
11%
الخدمات التجارية والعقار والتأجير
7%
13%
المجتمع والخدمات الاجتماعية
14%
3%
القطاع الحكومي
6%
مصدر: الموقع الالكتروني لحكومة دبي والادارة المركزية للإحصاء لدولة الكويت
ويمكن ملاحظة بان مصاريف المجتمع والخدمات الاجتماعية التي تتحملها الدولة مرتفعة بالنسبة الى الكويت بالمقارنة الى دبي، وحتى في القطاع الاخرى مثل التجزئة والاتصالات والمالية والفنادق جميعها مستواها متدني بالمقارنة الى دبي.
وملاحظه مهمة ايضا بان جميع القطاعات في الاقتصاد الكويتي مسيطرة من قبل الحكومة وانها ليست قائمة على الشركات الخاصة والمستثمرين، مما يعنى انها جميعا مرتبطة بشكل غير مباشر بالنفط، لان الحكومة الكويتية تدعم هذه القطاعات عن طريق الايرادات النفطية، وان اي خلل في الاسعار سيضعف الانتاج في جميع القطاعات. بعكس دبي، فنسبة انفاق الحكومة ومساهمتها المباشرة في الانتاج المحلي هو 6% فقط.
قد يقول البعض بان اقتصاد دبي هش وعرضة الى الازمات العالمية وان ما حدث في 2008 كان انهيار اقتصادي لحكومة دبي لولا ان ابوظبي دعمتها وساهمت في تقليل حدة الازمة، صحيح ان دبي تعرضت الى ازمة مالية وهذا طبيعي لاي دولة لها اقتصاد مفتوح ولديها علاقة اقتصادية مع جميع الدول الضخمة، لا يوجد هناك دولة لا تتأثر في الازمات الاقتصادية، لكن التاُثر بشكل نسبي يختلف من دولة الى أخرى.
ما تعرضت له دبي ليس بسبب خلل في هيكلها الاقتصادي او ان الفلسفة الاقتصادية التي تتبناها غير صحيحة، بالعكس ما تقوم به دبي كخطة استراتيجية صحيح، لكن الخلل هو اختباء الحكومة خلف شركة عملاقة تدعي " دبي وورلد"، حكومة دبي تمتلك هذه الشركة وتدير الاقتصاد من خلالها، فهذه الشركة تعتبر الشركة الأولى تملك اكبر واهم الشركات القائمة في دبي ولها أصول كثيرة، وكانت مديوناتها كبيرة تصل الى 80 مليار دولار، وعندما حدثت الازمة قللت قيمة أصولها ولا تحمل السيولة الكافية لدفع مديونياتها لذلك اضطرت للجوء الى ابوظبي للمساعدة.
دبي أخطأت في تركيز الاقتصاد في شركه واحده وجعلتها هي المحور الأساسي لكن هذا لا يعني ان المنهج الاقتصادي وخطوطه الرئيسية غير صحيحة، فالكويت تستطيع ان تتفادي أخطاء الاخرين وان تأسس اقتصاد سليم عن طريق تبني الاقتصاد الحر وجعل القطاع الخاص شريك أساسي في إدارة الاقتصاد .
خلاصة الكلام بان لدى الكويت امكانيات اكبر وفرص كثيرة تستطيع من خلالها ان تحقق ما حققته دبي في خلال 5 سنوات، وان كل يوم تتأخر فيها الحكومة عن تطبيق المنهج الصحيح سيدفع ثمنه الشعب الحالي والاجيال القادمة .